إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
تفاسير سور من القرآن
71929 مشاهدة
تفسير قوله تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا

مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ .


هذا معطوف على قوله: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ وتقدير المعنى: والله لقد أرسلنا نوحا إلى قومه، وقد أرسلنا إلى عاد أخاهم هودا وهذه الأمم يقص الله خبرها على هذه الأمة لتستفيد من ذلك فوائد عظيمة لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ فيخاف ....
... والآداب وآداب الدعاة إلى الله في لينهم وعطفهم، ولين كلامهم وكرم مخاطبتهم، وعدم بذاءتهم وكلامهم بكلام جاهلي. هذا نبي الله نوح لما قالوا له: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ هو يعلم أنهم هم الضالون، وأنه هو المهتدي، والذي يعيبك ويلمزك بعيب أنت تعلم أنه فيه هو، وأنك أنت برئ منه، هذا مما يستدعي الغضب، والكلام الشديد، والرد العنيف.
فنبي الله نوح لم يقل لهم شيئا من ذلك، ولم يرد عليهم ردا عنيفا، وإنما رد بأكرم العبارة وألطف الرد، وقال: يَا قَوْم لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ؛ فلم يقل: أنتم هم الكفرة الفجرة الضلال، ولم يقذع فيهم بلسانه بل بالعبارات اللطيفة اللينة.
وهذا تعليم من الله لخلقه أن الداعي المتبع لآثار الرسل إذا قابله الجهلة ببذاءة اللسان، وعابوه وتكلموا له بالقبيح أنه لا يقابلهم إلا بالقول اللين اللطيف، والحكمة والموعظة الحسنة، كما هي عادة الرسل بخطاباتهم لأممهم.
وقوله: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا والله لقد أرسلنا إلى عاد أخاهم هودا عاد قبيلة عظيمة، والمؤرخون يقولون: إن عاد بن إرم بن عوس وهو من ذرية سام بن نوح بلا خلاف بين المؤرخين. ويزعمون أن قبيلة عاد كانوا أعظم الناس أجساما. يزعم أهل القصص والأخبار أن أقصرهم قامته ستون ذراعا، وأن الواحد منهم يكون مائة ذراع.
وعلى كل حال فهم من أشد الناس قوة، كما قال الله عنهم: وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وهم قبيلة إرم المذكورة في القرآن؛ لأن عاد بن إرم وقيل عوس بن إرم فهو من أولاد إرم .
وإرم اسم رجل تسمى به القبيلة، وعاد من ذريته، ولذا قال: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ثم أبدل منها، فقال: إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَاد الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ قوله: لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ يدل على عظمة أبدانهم، وشدة طولهم وبدانتهم وقوتهم كما هو معروف؛ ولذا قال: أرسل الله إلى هذه القبيلة العاتية الشديدة القوى والبطش أرسل إليهم أخاهم هودا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
وكان نبي الله هود عربي اللسان، وإنما منع من الصرف، قال بعضهم: لأنه عربي، والعجمي إذا كان علما على ثلاثة حروف وسطها ساكن يكون مصروفا، كما هو معروف، كما صرف نوح ولوط وهما علمان أعجميان، كما هو معروف.
يزعمون أن هود بن عبد الله بن رباح من ذرية إرم بن سام بن نوح هو من نفس القبيلة، كما قال: أَخَاهُمْ هُودًا خلافا لمن زعم أن أصله ليس منهم، وأن أخاهم صاحبهم، والتحقيق أنه منهم، وأنه أخوهم ومن قبيلتهم، كما يأتي في قوله: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ فبين أنه منهم، ولذا قال هنا: أَخَاهُمْ هُودًا بعث الله إليهم نبيه هودا .
وصرح الله في سورة الأحقاف بأن منازلهم في الأحقاف، والأحقاف جمع الحقف، والحقف حبل الرمل، وهم يزعمون أنها حبال الرمل التي في أطراف اليمن أو حضرموت كانوا إلى تلك الجهة، كما يأتي في قوله: إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ .
والأحقاف جمع الحقف، والحقف هو الحبل الممتد المعتلى عليه من الرمل، فهم في رمال هناك، كانت منازلهم في رمال تتخللها أودية في نواحي اليمن أو حضرموت كما يأتي في سورة الأحقاف.